الدرس الأول
المقدمة للسيرة النبوية العطرة
تعلم ما استطعت بحيث تسعى....... فإن العلم زين للرجال
لأن العلم في الدنيا جمال .......... وفي العقبى تنال به المعالي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
سبحانك اللهم وبحمدك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فلك الحمد في الأولى والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بك .
أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك
وأسألك بكل حبيب أحببت وكل صفي اصطفيت
وأتوج سؤالي إياك بالحبيب المصطفى
أن تسدّد خطاي وتلهمني من القول والعمل والصفة والأخلاق ما فيه نجاحي وفلاحي وسعادتي الكاملة في الدارين وما فيه عزة ورفعة وكرامة الإسلام والمسلمين إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين
وصلى الله عليك يا خير خلق الله يا من بعثك الله هداية كاملة للبشر تبشرهم وتنذرهم
فأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فجزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته
وبعد .
أيها الأحباب الكرام ونحن في هذه الحالة من الذل والعالة ومن الإنتكاس في هذه الوهدة ومن الإرتكاس في هذه الحمأة
أتطلع سائلا الرب عز وجل الإلهام إلى أمر يكون عن طريقه الإنقاذ وفي طياته الإنبعاث لهذه الأمة من الحالة الميؤسة التي وصلنا إليها
فإذا بي أجد أن الشفاء كامن في التخلص من الداء الذي خبرنا عنه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يقول
((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل
وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت))
هذا إذن هو المرض العضال والداء الفتاك الذي أودى بالمسلمين إلى هذا الوضع المهين الذي نحياه ونلمس آثاره المدمرة
نعم أعود وأكرر بأن هذا هو السرطان القاتل الذي يكمن في التخلص منه الشفاء الكامل والعودة مرة أخرى إلى أحضان هذا الدين وإلى تحقيق غايات هذا الدين
كيف لا وكل بذور الشر وكل جذور الوباء وكافة جراثيم المرض
كامنة في هذا الوحش المخيف وهذا الحيوان المفترس الذي وصفه سيد الخلق محمد وسماه ( بالوهن )
-أي حب الدنيا وكراهية الموت-
بل أرِني رزيلة من الرزائل وخصلة من خصال الشر وصفة من صفات الفساد وضلالة من الضلالات لا تنبع ولا تنتج ولا تنتمي إلى معهد الشر هذا . ((حب الدنيا وكراهية الموت))
ألا ينتج عن حب الدنيا : حب العمل لها وإضاعة العمر في السعي إليها
ألا ينتج عنها الجشع والغل والحسد وحب الذات والغش والسرقة والإحتيال إلى غير تلك الصفات المهلكة .
ثم إذا ملأ حب الدنيا القلب واستولى على الجسم واستحوذ على الوجدان وسيطر على المشاعر . فأي شيء يترك للآخرة ؟
أيترك ركعات جافة تؤدى وعقل مشغول بالدرهم والدينار
أم يترك جسدا بين يدي الله وروحا وعقلا ومشاعر بين يدي الشيطان .
وما أروع تلك القصة التي تقول
"إن إنسانا كان عنده أربعة حوانيت فأعطاهم عقله ولبه ولكنه كان لا يترك الصلاة يعطي فيها الرب عزوجل جسده فقط وفي وقت من الأوقات وبعد انتهاء الصلاة يقف هذا الرجل بكل جرأة وشجاعة وثقة بالنفس ويقول للإمام إنك لم تصل إلا ثلاث ركعات من أصل أربعة وحين بين الإمام دهشته وطرح سؤاله كيف علمت ولم تشعرني ونحن في الصلاة لكي نسجد للسهو ونأتي بالركعة؟
قال إني لم أعلم إلا بعد انتهائي قال وكيف ذلك ؟
فأجابه لأن عندي أربعة حوانيت / وكنت في كل ركعة أجرد حانوتاً فتذكرت بعد الصلاة أني لم أجرد إلا ثلاث حوانيت فعلمت أننا لم نصل إلا ثلاث ركعات . انتهى "
نعم صدق فإن حب الدنيا يفعل أكثر من ذلك أليس حب الدنيا رأس كل خطيئة كما خبر الصادق الأمين محمد .
وكراهية الموت : ما السر في هذه العبارة وماذا يكمن بها من سم زعاف والجواب ليس بالبعيد بل هو ملموس من القاصي والداني
أليس هو ذل يجعل الإنسان أحط من الحيوان
أليس هو خور يذهب بالرجولة والأنوثة إلى مهاوي الانحطاط
أليس هو جبن يجعل من الأسد فأرة و من الصقر ذبابة
أي قلب جبان تحمل يا من يكره الموت
وأي نفس رعديدة تجوب أنفاسك يا من تكره الموت
وأي جسد خاو فارغ تنسل به من أماكن الفخار يا من يكره الموت
ثم نظرت وفكرت في نوع من الدروس يكون مؤثرا تأثيرا إيجابيا بعون الله
فلم أظفر بأروع وأعظم من سيرة الرسول المصطفى
ولا سيما إذا كانت الموضِّحة تتناثر هنا وهناك مبينة ومشيرة إلى جوانب العظمة في سيرة هذا النبي العظيم
وكل شيء في رسول الله عظمة
ثم إلى ما يتعلق ببعض جوانب السيرة من مبادئ إسلامية عظيمة
وذلك لكي نستطيع تجسيد هذا الدين من خلال دروس تعطى وخطب تلقى وبحوث تكتب ومبادئ تطبق وعمود فقري تستند إليه وما كان هذا العمود إلا السيرة العطرة .
إذاً فهنا الضالة المنشودة والغاية المقصودة وعلى الله الاتكال وهو حسبي ونعم الوكيل عليه توكلت وإليه أنبت وهو رب العرش العظيم .
هذا وإني أتوجه إلى الله وأتضرع إليه أن يجعل كلامي الذي أقول وعباراتي التي ألقي محط القبول من الجميع نتلقاها لكي نطبقها في حيز الواقع , وأن يجعل الحق والصدق والحكمة والنفع في كل حرف منها .
وأن يجعل كافة أعمالي وأقوالي وأحوالي وصفاتي وخَلقي و خُلقي وخلجات نفسي وسكناتي وخواطري خالصة لوجهه الكريم
لا أبتغي على ذلك سوى رضاه والجنة والإستعاذة من سخطه والنار
وأن يجعلني من الذين يطبقون قولاً وفعلاً صفة وأخلاقا
عبارة (( اللهم أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ))
ملاحظة أولى
حب الدنيا قد يكون في القلب وقد يكون باليد
أما حب الدنيا لجعلها في اليد فهذا لا غبار عليه ولاسيما إذا أحسن الإنسان استغلال ذلك بالإنفاق في سبيل الله والإنفاق على الأقرباء والفقراء وعلى من هو بحاجة فهذا ما يغبط عليه الإنسان وهذا غير داخل في الانتقاد السابق وأبوابه كثيرة ومتنوعة .
أما حب الدنيا لجعلها في القلب وعدم استعمالها في الطرق المشروعة وعدم الاستفادة منها في الآخرة .
بل هي للكنز والإنفاق في المحرمات والانغماس فيما حرم الله فهذا النوع هو المقصود بانتقادنا السابق وقد نوهت إلى ذلك لما للأمر من أهمية .
ولهذا نقول اللهم اجعل الدنيا في يدي ولا تجعلها في قلبي
ملاحظة :ثانية
وأحب أن أبين منهجي في عرض ومعالجة السيرة النبوية ويتلخص ذلك فيما يأتي
1 المخاطَب بالرسالة الإسلامية كلُّ العصور ابتداءً من زمن البعثة المحمدية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
2 ويدخل في ضمن السياق القضايا المعاصرة والشعوب المعاصرة
فإذا كل فرد أو مجتمع يريد السعادة في الدارين فما عليه إلا الإنضواء تحت هذا الدين القويم وتطبيق مبادئه وأهدافه على الواقع المعاصر ففي الدين الإسلامي الحنيف الحل والدواء لكل المشكلات دون استثناء .
3- وأما طريقتي في عرض ما اكتب فهو أسلوب الدعوة والمحاورة والمجادلة الهادفة للوصول إلى الحق . إن شاء الله سبحانه وتعالى
ملاحظة أخيرة:هذه الدروس قد تتجاوز ( 100 ) فأرجو من الادارة والمشرفين أخذ العلم وايجاد الوسيلة الأنفع باذن الله من حيث الترتيب او التثبيت أو المكان المناسب والشكر لكم مقدما
وإلى اللقاء مع الحلقة القادمة بعنوان ( عام الفيل ) بعون الله سبحانه وتعالى
مع تحيات المؤلف الشيخ جميل دكة منتدى فرسان الابداع